المصدر: موقع الدكتور محمود سريع القلم
الكاتب: الدكتور محمود سريع القلم
في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وعندما قررت الصين تبني الإجراءات والتجارب التنموية البشرية اللازمة للتصنيع والنمو الاقتصادي تدريجياً، كان الزعيم الصيني (ماو) والمقربون منه هم من قادوا هذا التحول الفكري آنذاك. فمن خلال مراقبتهم للتطورات الجديدة في العالم حينها، اكتسبوا الثقة الكافية لمواءمة أفكارهم مع الظروف العالمية الجديدة.
وقد حدث تحول مماثل تماماً في التسعينيات من القرن المنصرم في ست دول أخرى هي: إندونيسيا، الهند، فيتنام، تركيا، المكسيك والبرازيل. حيث طغت في معظم هذه الدول، خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، سيطرة حكومية قوية على الصناعة، والبنوك، والزراعة، والإستثمار، والتعليم وغيرها من جوانب الحكم.
وكان السياسيون في هذه البلدان قد إنشغلوا لفترة طويلة بأفكار مثل الدولة القومية، والمركزية في الحكم، والإدارة الرأسية، ومباديء عدم الانحياز، ومكافحة الإمبريالية. لكن هذه الأفكار أدت بشكل أساسي إلى إستمرار الفقر، والتفاوت الطبقي، والفساد، وإهدار الموارد الوطنية، وهجرة الكفاءات.
وفي هذه الدول، وبلدان أخرى كثيرة، سيما في شرق آسيا، أدرك صناع السياسات تدريجياً أنه كلما أصبحت الحكومة هي الجهة المنفذة للإقتصاد وزادت تدخلاتها في هذا الشأن، كلما تعاظمت عدم الكفاءة.
بعد ذلك وصل القادة في آسيا وأمريكا اللاتينية إلى قناعة بأن الحوكمة الرشيدة لا تتحقق دون تحقيق النمو الاقتصادي، وأن الأساس النظري لتحقيق هذا النمو يكمن في تسليم الإنتاج والخدمات للقطاع الخاص، وقبول منطق السوق والتبادلات الدولية. وهي الفكرة التي أدت في البداية إلى الثورة الصناعية، وفي الوقت نفسه إلى تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776.
على سبيل المثال، على الرغم من أن (توركوت أوزال) و (رجب طيب أردوغان) وصلا إلى السلطة في تركيا من قاعدتيّن إجتماعيتيّن مختلفتيّن، إلا أن أفكارهما الإقتصادية كانت مشتركة. ولولا أن الصين لم تقدم على نقل الإنتاج والخدمات إلى القطاع الخاص، ولم تقبل بمبدأ المنافسة والتعاون ضمن دائرة عالمية كبيرة، فكيف ارتفع إذن نصيب الفرد الصيني من الدخل القومي من 200 دولار إلى أكثر من 10 آلاف دولار في غضون عشرين عاماً؟.
ولأن الإقتصاد هو الأساس، فقد ازدهرت الصين إقتصادياً، حيث يتمتع الصينيون اليوم بإستقلال سياسي وهوية وطنية وتماسك داخلي أعلى بكثير مما كان عليه الحال في عهد الزعيم (ماو).