الباحث والكاتب: حيدر الخفاجي
انسحاب “جو بايدن” من السباق الرئاسي الأميركي، تحت ضغط قيادات في الحزب الديموقراطي، مهّد الطريق لمرشح جديد في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب
وزعم بايدن في خطاب متلفز للشعب الأمريكي، أنه قرر التضحية بطموحاته الشخصية من أجل “إنقاذ الديمقراطية” في الولايات المتحدة وتمرير الراية إلى جيل جديد في شخص نائبته كامالا هاريس. ورغم تأخرالقرار، إلاّ أنه لا يزال في وقته المناسب.
قال الجنرال شارل ديغول، “يجب أن أستسلم قبل أن يتخلوا عني”، في تعبير عن نهجه العملي في القيادة والسياسة. فقد أدرك ديغول أهمية التنحي برشاقة للحفاظ على إرثه وتجنب الإطاحة به في ظل ظروف غير مواتية.
تُنذر هذه الرسالة بنقطة أساسية وحيوية لكل سياسي في العالم لديه سجل ناجح أو يعتقد ذلك، وعلى السياسي الجيد أن يعرف متى يتنحى عن كرسي السلطة، وإلا فإنه سيتخلف عن الركب بطريقة مثيرة للشفقة. وتكررت هذه التجربة مع رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل. فبعد أن ارتكب خطأ الإصرار على البقاء في السلطة ثم قبول الهزيمة الثقيلة من منافسه الانتخابي، قال: “في بعض الأحيان للبقاء لفترة أطول عليك الرحيل”. تعكس حكمته هذه فهمه العميق للسياسة. تشرشل كان يدرك أن التمسك بالسلطة لفترة طويلة قد يؤدي أحيانًا إلى نتائج عكسية، وأنه في بعض الأحيان يكون من الأفضل التنحي للحفاظ على الإرث والمكانة.
كان جو بايدن على وشك ارتكاب خطأً فاحشاً في بقائه السباق الرئاسي، لكن عندما أشتدت الضغوط المتزايدة من السياسيين الديمقراطيين لدفعه للتخلي عن خوض سباق الرئاسة والتنحي عن كرسي السلطة، أستجاب في النهاية. لا يزال البعض من أعضاء الكونغرس والمكتب الرئاسي يعتقد أنه رغم كبر سن بايدن، يمكنه دخول حلبة الحملة الانتخابية للمرة الثانية مع منافس مثل “دونالد ترامب”. لكن حدث شيئان هنا؛ أولاً، “ذكاء” الجماهير التي عرفته حتى الآن كسياسي ورئيس فظ. لقد اعتقدوا أن بايدن، بكل ما يلزم من ذكاء وشجاعة للسياسي، لم يعد قادرا على أن يكون رئيسا جديرا بقيادة بلاده.
إن ذكاء أنصار الحزب والسكان الرماديين هو أنهم عرفوا بالضبط ما يجب عليهم أن يطلبوا من رئيسهم. وأيضاً إذا فاز مرة أخرى في الانتخابات فهل يستطيع أن يكون بقدر ما يريدون؟.
الأمر الثاني، بقبوله الانسحاب من المنافسة الانتخابية، أظهر جو بايدن أن لديه فهماً واضحاً لمفهوم “المصلحة العامة”؛ الذي يفسر على أنه السعي المرن لتحقيق المصالح الحزبية والوطنية بناءاً على حكم واقعي للوضع الحالي.
جيد أم سيء؟.. مهما نظرت إلى مسيرة جو بايدن المهنية في نصف القرن الماضي، كمراقب أو محايد، فلا يمكنك تجاهل دوره المؤثر في التطورات العالمية.