المصدر: صحيفة “دنياى اقتصاد” الإيرانية
الكاتب: الدكتور هادي خسرو شاهین
لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ولهذا السبب إما نحن سنتجه نحو تصعيد التوتر على نطاق واسع وإما نحو وقف إطلاق النار الدائم في منطقة الشرق الأوسط.
في مذكرة كتبها مؤلف هذا المقال في 9 أكتوبر 2023 (بعد يوميّن من هجوم حماس على إسرائيل)، مستوحى من الأدبيات الناشئة عن الحرب الباردة، استدل بأن توازن الرعب في المنطقة يمنع انتشار الحرب إلى مناطق أخرى من المنطقة.
وركّز هذا الغستدلال بشكل أكبر على القوة المادية للأطراف المتنازعة، حيث اعتمد جانب واحد على القوة العسكرية الكلاسيكية، بينما اعتمد الجانب الآخر على القوة غير المتناظرة لمحور المقاومة، والذي امتد انتشاره الجغرافي من شرق البحر الأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد أدى اصطفاف مثل هذه الأدوات المتناظرة وغير المتناظرة إلى دفع الأطراف إلى منع اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق بأي وسيلة ممكنة. ولكن تراكم وكثافة الإجراءات الإسرائيلية، وكذلك محور المقاومة من أنصار الله في اليمن إلى حزب الله في لبنان على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، يعمل على خلق قصور ذاتي يقضي على فرص إستمرار الوضع الراهن.
سأستعين بإطار نظري قدمه “ستيفن والت” في مقال له نُشر عام 1985 من أجل توسيع هذا التحليل. لقد هاجم هذا المفكر النيوليبرالي في مقاله الهام الذي نشر في مجلة “الأمن الدولي” النظرية النووية للواقعيين في العلاقات الدولية حول السلام من خلال توازن القوى، وقدّم بدلاً عنها أطروحة جديدة، فبدلاً من إعتماد القوة المادية كمصدر لتصرفات الجهات الفاعلة، تناول “والت” مفهوم التهديد كعنصر أساسي لأنماط السلوك في النظام الدولي. وفي الواقع، نحن هنا نواجه فصل مفهوم التهديد عن القوة.
على سبيل المثال، بناءاً على أطروحة الواقعيين، كان على الدول القومية الغربية خلال الحرب الباردة التحرك نحو قوة أضعف وهي الاتحاد السوفيتي، وذلك من أجل إرساء الاستقرار، حتى يتمكن هذا التحالف من تحقيق التوازن والموازنة ضد القوة العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة. ولكن التصور الواسع للسوفييت حول مفهوم التهديد أدى إلى تشكيل حلف الناتو لكي تزداد قوة أمريكا ضد الإتحاد السوفياتي. والآن، يكفي تطبيق هذه الأطروحة لفصل التهديد عن القوة التي قدمها “والت” على منطقة الشرق الأوسط.
لقد شعرت إيران بتهديد وجودي خلال العقديّن الماضيين، وخاصة بعد سياسة تغيير النظام التي اتبعها المحافظون الأمريكيون الجُدّد، وقد كان هذا الشعور بالتهديد هو المصدر الرئيس للتحالف مع الجهات الفاعلة غير الحكومية لإنشاء شبكة ردع إقليمية لحماية الأراضي الإيرانية والأمن القومي الإيراني من لسعة الصراعات الساخنة. (محاولة إيران لموازنة التهديد) ومن ثم تماشياً مع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة عبر هذه الشبكة، سعت إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية إلى خلق توازن مقابل لهذا المحور الجديد من خلال تحالفات أمنية، لا سيما في الخليج. (محاولة الطرف المقابل لإقامة توازن تهديد). إلاّ أن الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر 2023 كشفت عن عدم فعالية هذا المحور الإسرائيلي الأمريكي الجديد بالشكل المطلوب.