الفرق بين العالَم الثالث والعالَم الغربي
محمود سريع القلم: أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بهشتي الإيرانية
من الشروط الأولية التي تمهّد لإِحداث التنمية في مجتمعٍ ما، هي تلك الفرصة التي تُعطى لِلأَفراد لِيُنمّوا من خلالها الجانب «المتميّز» فيهم ولِيكتشفوا مواهبَهم. وبمقدار ما يزداد تدخّل الدولة في شؤون المجتمع تتضائل فرصة النموّ الفردي والتميّز لدى الأفراد. [على سبيل المثال] قررت الحكومةُ الصينية قبل أربعين عاماً أن تمنح النّاسَ فرصة التميّز في النشاط الاقتصادي، والنتيجة التي ترتبت على ذلك هي نموّ الناتج القومي لِلفرد مِن مئتَي دولار إلى عشرة آلاف دولار! باعتماد مثل هذه المقارنة المرجعيّة (Benchmarking)[2] عند تقييم البلدان يتضح واقعها الاقتصادي والتنمويّ بنحو جليّ. وإنَّ هذا الأمر بحدّ ذاته يُعدّ دليلاً على أنَّ الولايات المتحدة، (حتّى لو قورنَت مع اليابان وألمانيا وبريطانيا)، تمثّل المجتمع الأكثر إبداعاً في التاريخ.
على كلّ إنسان أن يوضّح مسيرته وأفقه [في الحياة]، وألا يعوّل على قرارات الدولة وسياساتها، وأن تكون له فسحة كبيرة من حريّة العمل لِيجتهد وليحقق أهدافه، وألا يخشى من أن تتبلور لديه أفكار جديدة، وألا يخف من الوقوع في الخطأ والهزيمة وتجاوز الصعاب والمشاكل. لِمعرفة مثال حول ذلك حسبنا أن نقرأ تاريخ صناعة الطائرة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. لقد بذل نحو 2000 شخص جهوداً مضنية على مدى عشرين عاماً ليتمكّنوا أخيراً من إطلاق الطائرة والتحليق بها في السماء. وفي أثناء هذه الجهود وطوال هذه المدة لم تتدخل الحكومات ولم تعرقل عملهم أيّ جماعة وفئة. كلّ ما هنالك كانت هنالك بعض المصارف وبعض الأفراد الذين كانوا يرومون «التميّز»، وهم من دشّنوا قطّاعاً في عالم التصنيع عُرِف بـ«صناعة الطائرات».
على الرغم من أنَّ لِلأوربيين في العلوم التجريبية العديد مِن العلماء منذ بداية القرن الثامن عشر وما بعده فإنَّ عموم التقنيات انتقلت من «العِلم والتنظير» إلى «الإنتاج» وتحققت في الولايات المتحدة؛ فاكتشاف الكهرباء ووصولاً إلى تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد كلّ ذلك قد جرى في أربعة أحقاب من تاريخ التصنيع في الولايات المتحدة. وفي مثل هذه البلاد بإمكان «فريد زكريا»[3] الهندي و«إدوارد سعيد» الفلسطيني و«هنري كيسنجر» الألماني و«دارا خسروشاهي»[4] المولود بطهران، و«إيلون ماسك» المولود في جنوب أفريقيا أن ينالوا فرصة بلورة المواهب و«التميّز». ورغم أنَّ دولاً مثل كندا وبريطانيا وأستراليا أيضاً تمتلك هذه الميزة، فإنّه لا يوجد أيّ بلد آخر مثل الولايات المتحدة في منح الأفراد هذا القدر من الفرص لتنمية المواهب في العِلم والفن والرياضة والتجارة والسياسة والإنتاج، وتحفيز كلّ القدرات الذهنية والباطنية لديهم. في مثل هذا البلد لا يأبهون بدين الفرد وجنسه وعرقه وثقافته ومكان ولادته ولهجته وأطباعه؛ بل أن ما يهتمون به ويسألون عنه هو: ماذا تَعلَم؟ وما الموهبة التي تتميّز بها؟ وما العمل الذي بإمكانك ممارسته بمنتهى الدقة والإتقان؟