الباحث والكاتب: محمد الوائلي
تواجه المجتمعات البشرية على تنوع ثقافاتها نزاعات بمستويات مختلفة نتيجة للإختلاف في الرؤى والتضارب في المصالح. أحد معايير تحقيق التقدم في مجال التنمية الإجتماعية هو قدرة المجتمعات على فضّ النزاعات بين افرادها ومكوناتها بصورة سلمية وايجاد الحلول المشتركة من خلال وجود المؤسسات والسياسات الهادفة الى تحقيق المصالحة بين الجهات المتخاصمة وتنمية مهارات التفاوض لدى الأفراد والمنظمات بغية تحقيق السلم الإجتماعي وتركيز الطاقات نحو تحقيق التقدم بدل من هدرها في الصراعات الجانبية.
يتطرق هذا المقال الى أهمية عملية حل النزاعات وأبعادها التنموية، وحاجة العراق الماسة الى تطوير الكفاءات الفردية والمؤسساتية في هذا المجال.
العالم في حالة صراع
تُمثل النزاعات والاختلافات التي تحدث بين المجتمعات وكذلك بين المكونات التي تحتويها امراً طبيعاً، وظاهرة غالباً ما تتكرّر في حياة البشرية. وعلى خلاف قول الزعيم الروحي للديانة البوذية “الدالاي لاما” (لو علمنا التأمل لكل طفل عمره ٨ سنوات، فسيكون بإمكاننا انهاء العنف في العالم خلال جيل واحد فقط) فإن الخلافات والصراعات هي جزء من طبيعة الإنسان والحياة الاجتماعية منذ بدء الخليقة، ولكن محاولات حلّها تتخذ أشكالاً ومداخل مختلفة. والدليل على ذلك هو وضع البشرية اليوم الملتهب بالصراعات والنزاعات. وعلى الرغم من تطوّر البشرية في نواحي مختلفة تبقى الصراعات جزءاً اساسياً من الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية للمجتمعات، بل وتشير التحليلات والبحوث الى انه من المتوقع زيادة حدة الصراعات وتعميقها في المستقبل المنظور نتيجةً لعدم التوازن الحاصل في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في العالم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُركّز مؤسسات مثل “مجموعة الأزمات الدولية”، وهي مؤسسة مهتمة بالقضايا السياسية والأمنية والعسكرية، على ثلاث مجالات رئيسية في برنامجها المعني بالصراعات المستقبلية وهي: التغيّر المناخي – التكنولوجيا الرقمية – الاقتصاد العالمي. جميع هذه مجالات أصبحت تتطوّر بصورة متسارعة، وفي ذات الوقت أصبحت مصدراً وسبباً للكثير من الصراعات والأزمات في العالم، كما تؤكد الأحداث التي نشهدها في عالمنا اليوم.
كذلك تحاول منظمات دولية مثل “برنامج الأمم المتحدة للتنمية” ايجاد حلول مستدامة للأزمات المتوقع لها أن تحصل في العالم بحلول عام ٢٠٣٠ نتيجةً للفقر المتفاقم بسبب التغيّر المناخي وندرة الموارد والذي سيضيف ١٣٠ مليون شخص جديد الى مجموعة الأشخاص الذين يعانون من الفقر الشديد في العالم والبالغ عددهم ٧١٢ مليون شخص، حسب تقديرات البنك الدولي للعام ٢٠٢٢. ومن الواضح ان التغيّر المناخي يتسبّب في الكثير من التغيّرات الاخرى والتي تؤدي بدورها الى حصول الأزمات الصحية والهجرة باتجاه المدن، وبالتالي الى إيجاد التنافس، وحتى الصراع، على الموارد المحدودة.