المصدر: مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية
الكاتب: لين كواك
لماذا يتجه حلفاء واشنطن في المنطقة نحو الصين؟
تروّج الولايات المتحدة مؤخراً لـ”تقاربها” مع شركائها الآسيويين. وفي حوار “شانغريلا” السنوي الذي عُقد في سنغافورة في حزيران من العام الجاري، عنون وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تصريحاته بأنّها “تقارب جديد في منطقة المحيطيّن الهندي والهاديء”. وفي معهد “بروكينغز”، أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين أنّ الولايات المتحدة تتمتع بـ”تقارب أكبر بكثير” مع الشركاء الآسيويين الرئيسيين، مشيراً إلى تحسّن العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية وتعزيز الروابط الأمنية بين حلف الناتو ومنطقة المحيطيّن الهندي والهاديء. وفي تموز الماضي أكد بلينكن خلال منتدى “أسبن” الأمني أنّه “لم يشهد من قبل تقارباً أكبر بين الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين والآسيويين في ما يتعلّق بالنهج الذي تتبعه واشنطن تجاه روسيا والصين”.
إلاّ أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تخسر الأرض في أجزاء مهمة من آسيا. وفي كل عام، يقوم معهد “ISEAS”، وهو معهد بحثي مموّل بشكل أساسي من قبل الحكومة السنغافورية ولكنه يؤدي عمله بشكل مستقل، باستطلاع آراء ما بين 1000 إلى 2000 مشارك في الأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات غير الربحية ووسائل الإعلام والحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية من الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). ويُعدّ الاستطلاع أقرب إلى دراسة موسعة في المنطقة لـ”رأي النخبة” حول القضايا الإقليمية والدولية لتقديم فكرة جيدة حول مسار التصوّرات، حتّى لو اعترض البعض على تفاصيلها الدقيقة. وفي الإستطلاع الذي أُجريّ هذا العام، فضّل غالبية المشاركين الصين على الولايات المتحدة عند سؤالهم عن الجهة التي يجب أن تتحالف معها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في حال اضطّرت للإختيار بين الاثنيّن. وهذه هي المرة الأولى التي يختار فيها المشاركون الصين منذ أن بدأ الإستطلاع بطرح هذا السؤال.
هذا الانخفاض في الدعم للولايات المتحدة ينبغي أن يدقّ أجراس الإنذار في واشنطن، التي ترى في الصين منافساً رئيسياً لها، وفي منطقة المحيطيّن الهندي والهاديء ساحة معركة حاسمة. إذ يقع جنوب شرق آسيا في القلب الجغرافي لهذه المنطقة الشاسعة والديناميكية، وهو موطن لإثنيّن من حلفاء الولايات المتحدة (الفلبين وتايلاند) وعدد من الشركاء المهمّين. وعليه، فإنّ أهداف الولايات المتحدة في منطقة المحيطيّن الهندي والهاديء تتعرقل بسبب خسارة الأرض لصالح الصين. وستكون كلاً من الفلبين وسنغافورة، حيث تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية، ذات أهمية خاصة في حال نشوب صراع مباشر بين الصين والولايات المتحدة. وبإستثناء الحرب، فإنّ نفوذ الصين المتنامي في جنوب شرق آسيا لا يزال يُضعِف قدرة الولايات المتحدة على المشاركة على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف لتحقيق تأثير استراتيجي. وإن العديد من دول جنوب شرق آسيا ليست ديمقراطيات ليبرالية، والحكومات هناك لا تُنفذ بالضرورة سياسات خارجية تعكس الرأي العام. لكن المجموعة التي شملها الاستطلاع ضمت مسؤولين حكوميين، وحتى الديمقراطيات غير الليبرالية تشعر الآن بالضغط للرد على آراء المواطنين.