المصدر: صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية
الكاتبة: روث بنغيت
في 7 أبريل 1926، ألقى الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني خطاباً أمام مؤتمر للجراحين، ثم بدأ يسير مع مساعديه في شوارع روما. عندما وصل إلى ساحة ديل كامبيدوجليو، تم إطلاق النار عليه.
خدشت الرصاصة أنفه، وحاولت المنفّذة البريطانية من أصل إيرلندي فيوليت جيبسون إطلاق النار عليه مرة أخرى، لكن بندقيتها تعطّلت، وسرعان ما اعتقلتها الشرطة. تم نقل موسوليني إلى مكان آمن، ولكن بعد ساعات قليلة ظهر علناً لطمأنة جمهوره، والتُقطت صورة له، بإيعاز منه، مع ضمادة بيضاء كبيرة على أنفه.
محاولات الاغتيال هي محاولة لتغيير النظام السياسي بضربة واحدة، لكن التاريخ يظهر أنها غالباً ما تأتي بنتائج عكسية. وفي أغلب الأحيان، لا تؤدي إلى القضاء على الرجل القوي، بل لتقويته وعبادة شخصيته، وموسوليني خير مثال على ذلك.
بعدما شغل منصب رئيس وزراء الحكومة الائتلافية، أعلن موسوليني النظام الدكتاتوري في كانون يناير 1925. وكانت محاولة جيبسون لاغتيال موسيليني هي الثالثة من نوعها، إذ سبقتها محاولة اغتيال من قبل المناهض للفاشية الإيطالي تيتو زامبوني، عضو البرلمان الإشتراكي، الذي اعتقل قبل أن يتمكن من إطلاق النار على موسيليني، وأخرى حاول تنفيذها المدعو جينو لوسيتي، عندما ألقى قنبلة على موكبه، لكنّها لم تنفجر.
واستغل موسيليني محاولات الإغتيال هذه من أجل إصدار سلسلة “قوانين الدفاع عن الدولة” التي حوّلت إيطاليا من الديمقراطية إلى النظام الفاشي وتبريرها إستناداً إلى التوسع الهائل السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية والبرلمان.
أنهى موسوليني وحزبه الفاشي حرية الصحافة، وحظر جميع الأحزاب السياسية المعارضة، وحظر الإضرابات والنقابات غير الفاشية، وأنشأ الشرطة السرية “OVRA” سيئة السمعة، وأوضحت القوانين أنّ أيّ اعتداء على الزعيم يعدّ اعتداءا على الدولة والوحدة الوطنية.
بالنسبة للفاشيين، لم يمثل الزعيم الأمة فحسب، كما هو الحال في التقاليد الديمقراطية، بل يجسدها جسدياً. لقد تلقّى الضربات من أجل الأمة، وبالتالي فإنّ جراحه كانت أيضاً جراحاً للشعب الذي يكدح من أجلهم. ولهذا السبب، قام موسوليني بالتقاط الصور بعد الهجوم، وأصبحت الضمادة على أنفه بمنزلة وسام شرف. ولهذا السبب، أصبحت كل محاولة إغتيال فاشلة بمنزلة مادة لعبادته وإثبات صلابته وقدرته على التغلب عليها، “الرصاص يمر، موسوليني يبقى”.
يحمل تاريخ توطيد موسوليني للسلطة والهجمات التي تخللت تلك العملية دروسا لفهمنا لعقلية وأساليب دونالد ترامب بعد محاولة إغتياله في تجمع حاشد الشهر الماضي.