الكاتب: محمد الوائلي
مقدمة
في الوقت الذي يدعو فيه الاقتصاديون في معظم دول العالم، وخصوصاً في الاقتصادات الغربية، الى تقليص دور الدولة في الحياة الإقتصادية، إلاّ أن الواقع يشير إلى أن للدولة دوراً جوهرياً في تلك الاقتصادات يتعدى الرقابة والتدخل عند الضرورة. فالدولة في كثير من الأحيان تكون هي الشريك والفاعل الأساسي في تحقيق النجاحات على صعد مختلفة، حيث نرى الدولة تمول وتستثمر في العديد من المشاريع الإستراتيجية وتخلق أسواقاً جديدة خلافاً لما يتم تكراره في السرديات الشائعة حالياً والتي ترى في تقليص دور الدولة السر وراء نجاح الاقتصادات الرأسمالية.
يناقش هذا المقال هذا الخلط الشائع في التفكير، ويقدم بعض الرؤى حول الأدوار التي ينبغي للدولة العراقية تبنيها في تحقيق النمو الاقتصادي في العراق.
شبهة تقليص دور الدولة في الاقتصاد
بدأت فكرة تقليص دور الدولة في الإقتصاد بالانتشار، في نهايات الستينات من القرن الماضي، في الولايات المتحدة وبدأ تيار الليبرالية الاقتصادية اعتبار كل من يدعو إلى تدخل الدولة في الاقتصاد ميالاً الى الشيوعية والاشتراكية.
اخذ هذا التوجه بالنمو وحدثت موجات خصخصة في الاقتصادات الحرة الكبيرة في العالم اطلقها الرئيس الأمريكي ريغانRegan في الولايات المتحدة ورئيسة الوزراء البريطانية تاتشر Thatcherفي المملكة المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين اتبعت الكثير من الدول نفس النهج. وعد هذا التيار سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات انتصاراً لأفكاره الاقتصادية ودليل على جدواها. ولكن ذلك أدى في الواقع إلى حدوث عدم توازن بين القطاعات الثلاث المختلفة في الاقتصادات الحرة لصالح القطاع الخاص، كما يشير العالم منتزبرگ Mintzberg في كتاباته ومقالاته المختلفة.
ولكن ما لايود الاعتراف به الدعاة الى هذا التيار هو أن للدولة أدواراً اقتصادية مهمة تلعبه في الكثير من الاقتصادات القوية في العالم حتى وقتنا الحاضر.
تختص الباحثة في جامعة “يو سي ال البريطانية” ماريانا ماتسوكاتو Mariana Mazzucato في هذا المجال وتؤكد على اهمية تدخّل الدولة في الاقتصادات المتقدمة وبشكل فاعل. ويتعدى هذا الدور الرقابة وحل الأزمات الى درجة أن “ماتسوكاتو” تذهب إلى القول بأنه لو أرادت الدول ان يصبح اقتصادها مثل اقتصاد الولايات المتحدة فينبغي لها ان تتدخل بقوة في الاقتصاد مثل ما تفعل الدولة الأمريكية وليس العكس كما هو شائع!.
من المؤكد أن هكذا إدّعاء يُثير الدهشة والإستغراب في ظل الأفكار الاقتصادية السائدة اليوم والتي تروج إلى العكس من ذلك. ولكن “ماتسوكاتو” تورد العديد من الأمثلة التى تُثبت إدعاءها بصورة دامغة.