يتمحور إهتمام أصحاب القرار وصنّاع السياسات في مختلف الدول حول تحقيق الأمن، وذلك لأن الأمن يُعتبر من الأهداف الرئيسية للسياسة العامة، وأساساً لإستقرار المجتمعات وتحقيق التنمية الشاملة.
وتتسم العلاقة بين الأمن والسياسة بتفاعل متبادل، فكثيراً ما يكون استتباب الأمن في أي بلد نتيجة طبيعية لفاعلية سياسات الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
على سبيل المثال، عندما تتبنى الحكومة سياسات اقتصادية نشيطة وتعزّز العدالة الاجتماعية من خلال توزيع عادل لعائدات الثروة الوطنية، فإن ذلك يسهم في تعزيز الإستقرار والأمن المجتمعي. وبموازاة ذلك ينبغي ان تعتمد الحكومات تدابير أمنية ودفاعية فاعلة لحماية الدولة والمواطنين من التهديدات الخارجية والداخلية.
في عام 1994 صاغ تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أبعاداً جديدة “للأمن البشري”، داخل منظومة الأمم المتحدة. وسلط التقرير الضوء على 4 خصائص للأمن البشري، هي: الأمن العالمي، التركيز على مصالح الناس، الترابط، والوقاية المبكرة. كما حدّد التقرير الأممي 7 عناصر مترابطة للأمن: الاقتصادي، والغذائي، والصحي، والبيئي، والشخصي، والمجتمعي، والسياسي. ومن شأن تحقّق هذا الترابط أن يعزّز في أوساط الرأي العام لكل بلد الشعور بالأمن.
في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الشعور بالأمن في عصر ما بعد الحداثة الحالي يتجاوز بكثير مفهوم الأمن المادي الذي كان سائداً في عصر ماقبل الحداثة. ففي عالمنا اليوم يتم صنع معظم السياسات والتكتيكات والأدوات والتقنيات المعاصرة وتوظيفها لإنتاج وتوفير الأمن، بوصفه جوهرة نادرة في السياسة العامة.
إن صنع السياسات الإستراتيجية لجميع القوى الفاعلة في النظام العالمي، يركّز على توفير وتعزيز الأمن، كما أن ركائز النظام الإقليمي والعالمي الحالي تقوم على مستوى القدرة الأمنية.
وفي خضم الاضطراب الذي يشهده عالمنا المعاصر أصبح الشعور بالأمان سلعة باهظة الثمن ونادرة لدى شعوب العالم. وهذا ما دفع بالجهات الفاعلة في النظام السياسي العالمي إلى التركيز على الأساليب العاطفية في مجال الأمن، ومنها تغلّب الشعور بالأمن على الأمن الجسدي.
مثال على ذلك شعور أوروبا بعدم الأمان بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فعلى الرغم من السلام والهدوء النسبي الذي ساد العقود القليلة الماضية في أوروبا، والتي شابتها بالطبع بعض الأحداث العرقية والعنصرية الدموية مثل الإبادة الجماعية للمسلمين في البوسنة والهرسك، وقبلها بعقود قليلة الحرب العالمية الثانية، إلاّ إن لأوربا تاريخاً مظلماً في إنعدام الأمن في العالم.
المقال باللغة الأنكليزية: Security in contemporary political conflicts