الباحث والكاتب: محمد الوائلي
المقدمة
من الظواهر السلبية في المشهد الإقتصادي العراقي إنعدم التوازن بين القطاعات من حيث حجمها وقدرتها على تقديم الخدمات، وهذه الظاهرة اخذت تُنذر بأزمة كبيرة تهدّد مستقبل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد. فالتضخم الهائل الذي يعاني منه القطاع العام على حساب باقي القطاعات يُعد احد اهم مظاهر انعدام التوازن والاستدامة التي تعيق عملية التنمية والتطوير. وعليه ينبغي ان يكون اهم اهداف متخذ القرار في العراق ايجاد توازن بين القطاعات المختلفة بهدف زيادة فعالية عملية تقديم الخدمات للمواطن وخلق البيئة المناسبة لاستدامة المنجزات التنموية المتحققة.
يناقش هذا المقال الخلفية التاريخية لعدم وجود توازن بين القطاعات المختلفة، وبعض تبعات عدم التوازن القطاعي وكذلك الاهداف بعيدة المدى التي يجب على متخذ القرار ادراجها في استراتيجية ادارة البلد من اجل تفادي الازمات المتعلقة بسبب عدم التوازن.
غياب التوازن القطاعي تاريخياً
انعكس الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية في القرن الماضي على حجم القطاع العام والخاص والقطاع الثالث والذي يسمية المفكر الاداري والاقتصادي الكندي منتزبرگ بالـ “القطاع المتعدد”. ويشمل القطاع الثالث جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية وغير الحكومية وغير الربحية وغيرها التي تلعب ادوار مختلفة وتعمل على تقديم الخدمات للمجتمع. باختصار شديد، فان القطاع العام هو القطاع المسيطر والاكبر في الاقتصاديات الاشتراكية نتيجة للاعتقاد السائد بان ملكية وسائل الانتاج ينبغي ان تكون للدولة وبالتالي فان الفاعل الاقوى في الاقتصاد هو القطاع العام، وقد اتضح فشل هذا الخيار بعد انهيار المعسكر الإشتراكي مطلع تسعينيات القرن الماضي.
اما في الدول الغربية، فقبل انهيار الاتحاد السوفيتي زعيم المعكسر الاشتراكي، كان القطاع الخاص هو القطاع الاهم في الاقتصاديات الرأسمالية، الاّ ان القطاع العام كان يلعب دوراً كبير في ادارة الاقتصاد وتنظيمه. يتضح ذلك الدور في الانظمة الاقتصادية الاجتماعية الاوروبية والتي تعتبر في العديد من الحالات نسخة مخففة عن الاقتصاد الرأسمالي الامريكي حيث للدولة في اوربا الغربية ادوار عدة لا تقوم بها الدولة في الولايات المتحدة. ولكن ما حصل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أن التيارات الليبرالية الاقتصادية الجديدة إدّعت انتصار أنموذجها الإقتصادي والمتمثل بتقليص دور الدولة في الاقتصاد وتقديم الخدمات وفسح المزيد من المجال، اكثر مما كان عليه سابقاً، للقطاع الخاص لكي يتولى تقديم الخدمات ولعب المزيد من الادوار في المجتمع. وافضل مثال على ذلك حملة الخصخصة التي حدثت في المملكة المتحدة منذ ١٩٨٠ وهذا مما أدى، حسب رأي منتزبرگ، إلى عدم توازن كبير في القطاعات في الدول الرأسمالية شبيه بعدم التوازن السائد في الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، ولكن بالاتجاه المعاكس.