المصدر: صحيفة نيويورك تايمز الأميركية
الكاتبة: ليا يبي
أوروبا غارقة في القلق، وبالكاد يستطيع قادتها إخفاء قلقهم مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوربي، التي من المتوقّع أن يحقّق اليمين المشتدّد مكاسباً فيها.
وفي خطاب ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر نيسان/أبريل، عبّر عن المزاج السائد، وبعد أن حذّر من التهديدات التي تواجه القارة، أعلن عن الحاجة إلى “أوروبا القوية الجديدة”.
وبينما كنت أشاهد الخطاب، تذكّرت تعليقات نيكولو مكيافيلي في الصفحات الأولى من كتابه “الأمير”، حيث يعتبر السياسة تشبه الفن في كثير من النواحي، فكما يضع رسّامو المناظر الطبيعية أنفسهم بشكل خيالي في السهول لفحص الجبال وعلى قمم الجبال لدراسة السهول، كذلك يجب على الحكّام أن يسكنوا مناطقهم.
وكتب مكيافيلي: “لكي تعرف طبيعة الناس جيداً، يجب أن تكون أميراً، ولكي تعرف طبيعة الأمراء جيداً، يجب أن تكون من الشعب”.
ماكرون يتصارع مع الجزء الأول من جملة مكيافيلي، وصاحب منصب يحاول فهم طبيعة الأرض. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي القوة في أوروبا الجديدة؟ وكيف ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يمارسها؟. أجاب ماكرون بطريقة أميرية، مُظهراً الوعي بالفضاء المحدود للمجتمع السياسي، وقال إنّ أوروبا “مهدّدة بالموت”. واختتم كلامه بدفاع متحمّس عن “الحضارة” الأوروبية والحثّ على خلق نموذج لإحيائها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل تطلعاته، فقد أهمل ماكرون النصف الثاني من جملة مكيافيلي: أن الناس يشكلون أيضا وجهات نظر حول حكامهم، فقد تجاهل ماكرون العديد من الأوروبيين الذين يشعرون أن أروبا منعزلة، واصفا خيبة أملهم بأنها نتيجة “حجج كاذبة”.
لعقود من الزمان، تجاهل قادة الاتحاد الأوروبي ، ومنعوا مواطني القارة من أي مشاركة سياسية ذات مغزى. لقد غيّر هذا الإقصاء معالم المشهد الأوروبي، مما مهد الطريق لصعود اليمين المتطرف.
عندما فكر مكيافيلي في أزمات عصره – من بينها الصراعات بين القوى الأوروبية الكبرى، والاستياء من القادة، وانهيار شرعية الكنيسة الكاثوليكيةى – لجأ إلى الجمهورية الرومانية طلباً للإلهام. وكتب أنّه عندما تكون هناك شكوك حول القيم، فإن التاريخ هو دليلنا الوحيد المتبقّي. وأوضح أن سرّ الحرية الرومانية لم يكن حظها الجيد ولا قوتها العسكرية، بل في قدرة الرومان على التوسّط في الصراع بين النخب الثرية والأغلبية العظمى من الناس.