الأكاديمي الإيراني محمود سريع القلم في مقابلةٍ أجرته معه صحيفة «اعتماد» في نسختها السنوية الصادرة في نهاية السنة الإيرانية
11 آذار/ مارس 2024
إنّك تركّز دوماً على فكرة التنمية، سواء في المقابلات الصحفية والإعلامية أو في مقالاتك. من أين يأتي هذا التوجّه؟ ولماذا التأكيد على هذه الفكرة كثيراً؟ ما هو مفهوم التنمية في رأيك والذي يُعدّ مفهوماً عاماً؟ لعلَّ الكثير من المجتمع الذي يستهدفه الخطاب الإعلامي ليس لديهم فهم واضح عن التنمية. ما هي الشروط الأساسية لفهم هذا المفهوم؟
إنَّ مجال دراستي هو العلاقات الدولية. يرتبط نصف هذا المجال بالاقتصاد، والباقي عبارة عن مزيج من القانون وعلم النفس والتاريخ والفكر السياسي. يُعدّ الاقتصاد السياسي أحد الأجزاء المهمة في مجال العلاقات الدولية، وبوصفي طالباً وباحثاً في هذا المجال، فإنَّ معظم الدروس والدراسات والأبحاث التي تلقيتها خلال فترة دراستي وبعدها كانت مرتبطة بهذا. من الحقول المعرفية التي تندرج ضمن الاقتصاد السياسي -وربما أهمها- هي موضوعة «التنمية» التي تمثّل مبحثاً متعدد الجوانب وتشمل قضايا اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية. ولكني أعتقد أنَّ أساس التنمية هو الاقتصاد.
لماذا ترى أنَّ لِلتنمية أساس اقتصادي رغم أنّها تمثّل مفهوماً واسعاً؟
لأنَّ موضوعة التنمية وقضايا التقدّم والتطور قد بدأت وتكوّنت في البيئة الأوربية ومنذ القرن الثامن عشر، وإنَّ تاريخ التنمية ومسار تطوراتها راسخ في الفكر الأوروبي. ثم انتشرت فيما بعد في أمريكا الشمالية، ومن ثم في اليابان وتدريجياً في أجزاء أخرى من العالَم. لم تولد التنمية في العالم الثالث، فبمجرد نظرة في الحقائق التاريخية يتضح أن التنمية نشأت في غرب أوروبا. لم تنشأ التنميةُ بالمعنى الاقتصادي ولم تشهد نموّاً ولم تتحوّل إلى مدرسة اجتماعية وسياسية وثقافية إلا بعد أن ظهرت بعد عام 1400م طبقةٌ من التجّار والحرفيين في غرب وشمال أوربا التي كانت تسعى إلى «توليد الثروة». وإنَّ عملية «توليد الثروة» هذه جعلت هذه الطبقة مستقلةً عن الممالك والحكومات. إنْ شئتُ أن أقول عبارةً واحدة لتمثّل محوراً في موضوعة التنمية فهي «أنَّ جذور التنمية تعود إلى استقلال رأس المال عن المؤسسات والمراكز الحكومية». وهذا الاستقلال قد جعل السياسةَ عقلانية فيما بعد، بمعنى أن الدعوة إلى الحريات السياسية والمدنية جاءت على أعقاب التنمية الاقتصادية.
يعود تاريخ الرأسمالية إلى أربعة قرون مضت، وقد شهدت العديد من التطورات صعوداً وهبوطاً، حتّى بلغت اليوم عصر العولمة وما يُسمّى بحسب منظمة التجارة العالمية بالعولمة الجديدة. أمّا إذا فسّرنا التنميةَ السياسيةَ بمعنى «الديمقراطية» فيمكن القول بأنَّ في هذا العام، أي 2024، سيكون قد مَرَّ عليها قرنٌ من الزمان. فقبل هذا القرن، لم تكن ثمّة تنمية سياسية مرادفة لِلتنافس الحزبي وحرية الإعلام وتداول السلطة وحرية الانتخابات والفصل بين السلطات.