مقال منشور على موقع “دبلوماسي إيراني” نقلاً عن الكاتب الفرنسي “آنتونيو مندوزا” في مقاله المنشور على صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”
أفول النيوليبرالية
تحتاج النيوليبرالية إلى نظام سيطرة واسع لا يتدخل في أي مجال من مجالات الحياة البشرية لإجبارها على الخضوع لمعايير بنيتها. علاوة على ذلك، فإن الرأسمالية الرقمية هي الذراع الأيديولوجي للسيطرة على رغبات وتطلعات الأغلبية، إذ تسبب بالاغتراب من خلال الإنتاج الثقافي، ومن ثمَّ تتيح الإمكانية لبُنية التبعية من خلال هيمنة الرغبات الذاتية والمدمّرة.
إنَّ الهياكل الاستبدادية المؤدلَجة تدفع إلى غسيل الأدمغة في المجتمعات الاستهلاكية، وتهبط من مستوى الوعي الجماعي وتوصله إلى مرتبة أشبه بالعبودية، وبالتالي تحيل دون تحقق بديل تحرري لبنية الليبرالية. فيما تدعم الرأسماليةُ الرقمية وشبكاتها الاجتماعية الآراءَ الأشدّ رجعيةً وكذلك الرسائل والخطابات التي تفعّل – مِن خلال خوارزمياتها – دَور الكراهية والتطرّف.
لقد رأينا جميعاً في الآونة الأخيرة كيف حصل مليونير على شبكة اجتماعية قويّة ليحوّلها إلى غرفة ألعاب خاصة به وليروّج من خلالها طروحاته «التحررية»: إنّها مقدمة للاستبداد الرقمي الذي يركن فيه البشر والآلات إلى اغتراب لا نهاية له. وعلى نفس المنوال، يمكن للمرء أن يرى كيف أن بعض الناشطين على موقع اليوتيوب، أو من يسمون بـ”المؤثرين” يصبحون فاحشي الثراء، في حين نجد المهنيين والمتخصصين الأساسيين في المجتمع يعيشون بصعوبة وبأجور زهيدة. إنَّ النخب الاقتصادية والاجتماعية، من أجل الحفاظ على نظام قوّتهم المرضي والسقيم، يحتاجون إلى أداة تحكم مؤدلجة قوية من أجل تبديد القيم الإنسانية للأغلبية ولتعزيز مصالحهم الفئوية. ولك في وقت تقوم عملية الحثّ على نشر الكراهية ومذهب اللذة (Hedonism) وكذلك الفردانية المتشددة على إيجاد ديناميكية تدفع بالأمور إلى أن تكون في صالح الدوغمائية الرأسمالية، وليُستبدل من وراء ذلك الشأن الاجتماعي بخطاب أشد رجعية من ذي قبل.